تربية الأبناء بالرفق

الأحد، 6 يناير 2013

المرأةُ المربِّيةُ.. وبَوحُ الشعراء



"القُدوة" المربّية.. هي من أعظم الوسائل نجاحاً في التربية ومن أجداها في توصيل المبادئ والقيم.. وبخاصةٍ إذا لازمها الإنسان سنين طويلة..

وأيُّ قدوةٍ أقرب للولد من الوالدَين؟ ومِن الأمِّ بخاصّة؟ فمنها يستمدّ الوَلَدُ أُولى أخلاقه.. ليكوْنَ كالمِرآة العاكسة لصورة أخلاقها وتربيتها، من خلال كلامها العفيف، وعدلها ورحمتها، وإتقان عملها وتقدير قيمة وقتها، وتفكيرها السليم، وبُعدها عن التناقض.

والأمر كما قال الشاعر معروف الرصافي:

هيَ الأخلاقُ  تنبُتُ  كالنَّباتِ        إذا  ُسقِيَتْ   بماءِ   المَكْرُماتِ
تقومُ   إذا    تعهّدها    المُرَبّي        على  ساقِ  الفضيلةِ  مثْمِراتِ
وتسموْ    للمكارمِ    باتِّساقٍ        كما  اتّسقتْ   أنابيبُ   القناةِ
وتُنعش مِن صميمِ المَجدِ رُوحاً        بأزهارٍ      لها      مُتَضوِّعاتِ
ولمْ  أرَ  للخلائقِ   مِن   مَحَلٍّ        يهذّبها    كحِضن    الأمهاتِ
فحِضنُ الأمِّ  مدْرسةٌ  تسامتْ        بتربيةِ    البنينَ    أوِ     البناتِ
حتى يقول عن المرأة القدوة:

لأخلاقِ  الصبيِّ  بكِ  انعكاسٌ        كما انعكسَ الخَيالُ على المِرَاْةِ
وما ضَرَبانُ  قلبكِ  غَيرُ  درسٍ        لتَلقِينِ الخِصالِ الفاضلاتِ[1]

وكمثال على التربية بالقدوة: فإنّ الطفل الذي يرى أمه مقْبلة على العِلم ومطالعة الكتب وتحصيل المعارف والاشتغال بالتربية والتنشئة، سيكون مختلفاً عن الطفل الذي يرى أمه منصرفة طوال يومها إلى التزيُّن وإضاعة الوقت والأسواق والزيارات غير الضرورية.

إنّ الأمَّهات الفاضلات والزوجات المربّيات هنّ صِمَامُ الأمان لأبنائنا ولبيوتنا ولمجتمعاتنا، فإن أحسنَّ تربية أولادهنّ فقد ضمِنَّ الخير والكرامة لأهلهنّ ومجتمعاتهنّ..

يقول في ذلك شاعر الشام (شفيق جبري):

رُوْضِيْ البَنينَ على العُلا.. شتّانَ ما        عِزُّ     المُلوكِ     وذلَّةُ     المملوكِ
فإذا  طوَيتِ  الدَّهرَ   في   تَقويمِهمْ        كَرُمَ البنونَ ؛ فلَمْ يهُنْ  أهْلُوكِ[2]

والمرأة التي تجعل قضية التربية في صدر الاهتمام والرعاية هي صانعة الأبطال، ومربية الأجيال، فإذا أردنا أن ننتصر بمعركتنا مع أعدائنا، ومع واقعنا؛ فإن أهمّ مفاتيح هذه المعركة مع الأمّ والمربّين.

فالتربية هي الوسيلة الأمثل لانتصار الأمة، وللتقدم والصلاح. وما جاءت انتصارات المسلمين العظمى إلاّ بعد نصرٍ تربوي على الأنفس الأمّارة، وبعد يقين بأهمية التغيير.

.. يقول الشاعر القَرَويّ في نتائج تربية القائد المؤثر؛ السلبية والإيجابية:

فَرَبِّينَ   البَنينَ    لِكَي    يشبُّوا        لتحريرِ الشَّآمِ – غداً - جُنودا
فإن  شِئتُنَّ   لمْ   نَبْرَحْ   عَبيداً        وإن شئتُنَّ  حرَّرنا  العَبِيدا[3]

المرأة مَدرسة تصنع الأبطال، وتنمي وتخرّج الأجيال، ليكونوا أساتذة الغد.. ولا أشهرَ في ذلك من قول شاعرنا (حافظ إبراهيم) الذي يشير إلى أهمية هذه المكانة:

الأمُّ  مَدرسةٌ   إذا   أعددتَها        أعددتَ شعبًا طيّبَ الأعراقِ
الأمُّ  أستاذُ  الأساتِذةِ  الأُلَى        شغَلَت مآثرَهمْ مَدى الآفاقِ

والأمُّ الواعيةُ الحريصة على هذه الأمانة تتخذ من كتاب الله وسيرة رسوله وصحابته العطِرة منهجاً في التربيةِ ربّانيًّا عظيماً..

فقد قال عليه الصلاة والسلام: "كلُّ مولودٍ يُولدُ على الفِطرة، فأبواه يهوِّدانِه أو ينصّرانه أو يُمَجِّسانه". رواه الأئمّةُ البخاريُّ ومسلمٌ والترمذيّ.

.. عن أهمية هذه التربية الإيمانية، كتب الشاعر محمد صيام، مستخدماً تفاصيل الثقافة الإسلامية (الدين، الإسلام، العلم، الأدب، آيات القرآن الكريم، التُّقى، المَحَجّة البيضاء):

ربّيْ  وَلِيدَكِ  وَفْقَ  الدِّينِ،   ربّيهِ        فالدِّينُ مِن  سَفَهِ  الإلحادِ  يَحميهِ
.. فلقِّني طفلَكِ الإسلامَ، فهُوَ  لهُ        كالمَنهَلِ  العَذْبِ  ماينفَكُّ   يرويهِ
.. وسلِّحيهِ بما في الدِّينِ مِن أدبٍ        ومِن   محَجَّتهِ   البيضاءِ    فاسقيهِ
وعلِّميهِ التُّقى..  إنَّ  التُّقى  سَنَدٌ        يَقِيهِ مِن  كلِّ  أمرٍ  سوفَ  يؤذيهِ
ونشِّئيهِ على هَدْيِ الكِتابِ، ومِن        آياتهِ الغُرِّ –يا  أُختاهُ-  غَذِّيهِ[4]

ولا ننسى هنا أبيات الدكتور عبد الرحمن بن صالح العشماوي، التي يشير فيها إلى أهمية غرس الإيمان في نفوس النشء، مقتبساً من سورة مريم قولَه تعالى (وهُزّيْ إلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ...):

في كفِّكِ النَّشْءُ  الذين  بمثلِهمْ        تصفوْ  الحياةُ  وتُحفظ   الآثارُ
هُزِّي لهمْ جِذعَ البطولةِ ، ربّما        أدمَى  وجوهَ  الظالمينَ   صِغارُ
غذّيْ صِغارَكِ بالعقيدةِ ،  إنّها        زادٌ     بهِ     يتزوّدُ     الأبرارُ

لهذا، على الأمهات أن يثِقنَ بقدراتهن، فيعمَلْنَ جاهداتٍ على إحاطة النشء بجوٍّ إيمانيٍّ صحيح، وعلى إحياء قلوبهم بمحبة الله، وإيقاظ عقولهم ومداركهم، وتربيتهم على طريقة الإسلام التي تعالج حياة الكائن البشريِّ كلَّها معالجة شاملة.

يقول في ذلك الأستاذ مصطفى الغلاييني، صاحب الكتاب الشهير (جامع الدروس العربية):

وهل يَطيبُ  لنا  وِردُ  الحياةِ..  وما        في  الدارِ  سيّدةٌ  ينموْ  بها   العمُرُ؟
تَحوْطُ  أولادَها  بالصّالحاتِ؛  كما        تحنوْ على الدَّارِ إن دارتْ  بها  الغيَرُ
وإن تكُنْ برزَتْ مِن خِدرِها، برزَتْ        يحُوْطُها الأطيَبانِ: العقلُ  والخفَرُ[5]

والمرأة المربّية تحتسب تعَبَها في تربية أبنائها وبناتها، وتُخْلِص نيّتها، وترجو ثواب الله تعالى في الجُهد الذي تقوم به لإنشاء لبِنة مؤمنة صالحة في جيل الغد القريب..

يقول الشاعر ناصيف اليازجي:




.. ونختِم بأبياتٍ هي لسان حال كلِّ طفلٍ، بها خِطابٌ تربويٌّ للأمّهات، نظمه لهنّ الدكتور عبد المعطي الدالاتي..

أعيدي   همسَكِ   الحاني        بأوزانٍ..          وألحانِ
فسمعُ الكونِ قد  أصغى        وإني    السامعُ    الثّاني:
"حبيبَ القلبِ يا  ولدي        ألا    يا    فلْذةَ    الكبدِ
لغَيرِ   الله    لا    تسجُدْ        ولا  تعبدْ  سِوَى  الأحدِ
حبيبَ القلب.. ياعمري        ألا   يا   بسمة    الطُّهْرِ
تتبَّعْ      سُنّةَ      الهادي        رسولِ   الحقِّ   و   الخيرِ
حبيبَ القلب .. يا  قلبي        ألا    يا    نِعمةَ    الربِّ
أنا   أمَلِيْ    بأنْ    تَحْيا        إلى  الإيمانِ   و   الحبِّ"

--------------------

[1] ديوان الرصافي / معروف الرصافي: 2/349.

[2] نَوحُ العندليب / شفيق جبري: ص 109.
[3] ديوان القَرَوي/ رشيد سليم الخوري: ص 562.
[4] دعائم الحق/ شعر: محمد الشيخ محمود صيام: ص 195-160.
[5] ديوان الغلاييني/ نظمه مصطفى الغلاييني: ص 201.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق