"القُدوة" المربّية.. هي من أعظم الوسائل نجاحاً في التربية ومن أجداها في توصيل المبادئ والقيم.. وبخاصةٍ إذا لازمها الإنسان سنين طويلة..
وأيُّ قدوةٍ أقرب للولد من الوالدَين؟ ومِن الأمِّ بخاصّة؟ فمنها يستمدّ الوَلَدُ أُولى أخلاقه.. ليكوْنَ كالمِرآة العاكسة لصورة أخلاقها وتربيتها، من خلال كلامها العفيف، وعدلها ورحمتها، وإتقان عملها وتقدير قيمة وقتها، وتفكيرها السليم، وبُعدها عن التناقض.
والأمر كما قال الشاعر معروف الرصافي:
هيَ الأخلاقُ تنبُتُ كالنَّباتِ إذا ُسقِيَتْ بماءِ المَكْرُماتِ تقومُ إذا تعهّدها المُرَبّي على ساقِ الفضيلةِ مثْمِراتِ وتسموْ للمكارمِ باتِّساقٍ كما اتّسقتْ أنابيبُ القناةِ وتُنعش مِن صميمِ المَجدِ رُوحاً بأزهارٍ لها مُتَضوِّعاتِ ولمْ أرَ للخلائقِ مِن مَحَلٍّ يهذّبها كحِضن الأمهاتِ فحِضنُ الأمِّ مدْرسةٌ تسامتْ بتربيةِ البنينَ أوِ البناتِ |
حتى يقول عن المرأة القدوة:
لأخلاقِ الصبيِّ بكِ انعكاسٌ كما انعكسَ الخَيالُ على المِرَاْةِ وما ضَرَبانُ قلبكِ غَيرُ درسٍ لتَلقِينِ الخِصالِ الفاضلاتِ[1] |
إنّ الأمَّهات الفاضلات والزوجات المربّيات هنّ صِمَامُ الأمان لأبنائنا ولبيوتنا ولمجتمعاتنا، فإن أحسنَّ تربية أولادهنّ فقد ضمِنَّ الخير والكرامة لأهلهنّ ومجتمعاتهنّ..
يقول في ذلك شاعر الشام (شفيق جبري):
رُوْضِيْ البَنينَ على العُلا.. شتّانَ ما عِزُّ المُلوكِ وذلَّةُ المملوكِ فإذا طوَيتِ الدَّهرَ في تَقويمِهمْ كَرُمَ البنونَ ؛ فلَمْ يهُنْ أهْلُوكِ[2] |
فالتربية هي الوسيلة الأمثل لانتصار الأمة، وللتقدم والصلاح. وما جاءت انتصارات المسلمين العظمى إلاّ بعد نصرٍ تربوي على الأنفس الأمّارة، وبعد يقين بأهمية التغيير.
.. يقول الشاعر القَرَويّ في نتائج تربية القائد المؤثر؛ السلبية والإيجابية:
فَرَبِّينَ البَنينَ لِكَي يشبُّوا لتحريرِ الشَّآمِ – غداً - جُنودا فإن شِئتُنَّ لمْ نَبْرَحْ عَبيداً وإن شئتُنَّ حرَّرنا العَبِيدا[3] |
الأمُّ مَدرسةٌ إذا أعددتَها أعددتَ شعبًا طيّبَ الأعراقِ الأمُّ أستاذُ الأساتِذةِ الأُلَى شغَلَت مآثرَهمْ مَدى الآفاقِ |
فقد قال عليه الصلاة والسلام: "كلُّ مولودٍ يُولدُ على الفِطرة، فأبواه يهوِّدانِه أو ينصّرانه أو يُمَجِّسانه". رواه الأئمّةُ البخاريُّ ومسلمٌ والترمذيّ.
.. عن أهمية هذه التربية الإيمانية، كتب الشاعر محمد صيام، مستخدماً تفاصيل الثقافة الإسلامية (الدين، الإسلام، العلم، الأدب، آيات القرآن الكريم، التُّقى، المَحَجّة البيضاء):
ربّيْ وَلِيدَكِ وَفْقَ الدِّينِ، ربّيهِ فالدِّينُ مِن سَفَهِ الإلحادِ يَحميهِ .. فلقِّني طفلَكِ الإسلامَ، فهُوَ لهُ كالمَنهَلِ العَذْبِ ماينفَكُّ يرويهِ .. وسلِّحيهِ بما في الدِّينِ مِن أدبٍ ومِن محَجَّتهِ البيضاءِ فاسقيهِ وعلِّميهِ التُّقى.. إنَّ التُّقى سَنَدٌ يَقِيهِ مِن كلِّ أمرٍ سوفَ يؤذيهِ ونشِّئيهِ على هَدْيِ الكِتابِ، ومِن آياتهِ الغُرِّ –يا أُختاهُ- غَذِّيهِ[4] |
في كفِّكِ النَّشْءُ الذين بمثلِهمْ تصفوْ الحياةُ وتُحفظ الآثارُ هُزِّي لهمْ جِذعَ البطولةِ ، ربّما أدمَى وجوهَ الظالمينَ صِغارُ غذّيْ صِغارَكِ بالعقيدةِ ، إنّها زادٌ بهِ يتزوّدُ الأبرارُ |
يقول في ذلك الأستاذ مصطفى الغلاييني، صاحب الكتاب الشهير (جامع الدروس العربية):
وهل يَطيبُ لنا وِردُ الحياةِ.. وما في الدارِ سيّدةٌ ينموْ بها العمُرُ؟ تَحوْطُ أولادَها بالصّالحاتِ؛ كما تحنوْ على الدَّارِ إن دارتْ بها الغيَرُ وإن تكُنْ برزَتْ مِن خِدرِها، برزَتْ يحُوْطُها الأطيَبانِ: العقلُ والخفَرُ[5] |
يقول الشاعر ناصيف اليازجي:
.. ونختِم بأبياتٍ هي لسان حال كلِّ طفلٍ، بها خِطابٌ تربويٌّ للأمّهات، نظمه لهنّ الدكتور عبد المعطي الدالاتي..
أعيدي همسَكِ الحاني بأوزانٍ.. وألحانِ فسمعُ الكونِ قد أصغى وإني السامعُ الثّاني: "حبيبَ القلبِ يا ولدي ألا يا فلْذةَ الكبدِ لغَيرِ الله لا تسجُدْ ولا تعبدْ سِوَى الأحدِ حبيبَ القلب.. ياعمري ألا يا بسمة الطُّهْرِ تتبَّعْ سُنّةَ الهادي رسولِ الحقِّ و الخيرِ حبيبَ القلب .. يا قلبي ألا يا نِعمةَ الربِّ أنا أمَلِيْ بأنْ تَحْيا إلى الإيمانِ و الحبِّ" |
[1] ديوان الرصافي / معروف الرصافي: 2/349.
[2] نَوحُ العندليب / شفيق جبري: ص 109.
[3] ديوان القَرَوي/ رشيد سليم الخوري: ص 562.
[4] دعائم الحق/ شعر: محمد الشيخ محمود صيام: ص 195-160.
[5] ديوان الغلاييني/ نظمه مصطفى الغلاييني: ص 201.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق