
السعادة الأسرية مفهوم يجب أولا أن نتفق عليه قبل أن نتطرق الى مدى توفره من عدمه فالسعادة الأسرية تبدو للوهلة الأولى وكأن الجميع متفق عليها ، فهل السعادة الأسرية هى فى وفرة المال ؟. ام فى توافر الصحة ؟ أم فى توافر العزوة من بنين وبنات ؟ أم فى توفر المكانة والسلطة ؟ أم فى كل هذه الأمور أم فى بعضها .
عماد السعادة الأسرية هو التوافق ولأن حجر الأساس للأسرة هو الزواج فلابد وأن يكون التوافق الأسرى مرتبط بالتوافق الزواجى ، والتوافق الزواجى هو توافق فى الاختيار المناسب للزوج والاستعداد للحياة الزواجية والدخول فيها والحب المتبادل بين الزوجين والإشباع الجنسى وتحمل مسئوليات الحياة الزواجية والقدرة على حل مشكلاتها والاستقرار الزيجى والرضا والسعادة الزواجية . ويعتمد التوافق الزواجى على تصميم كل من الزوجين على مواجهة المشكلات المادية والاجتماعية والصحية ، والعمل على تحقيق الانسجام والمحبة المتبادلة .
وللتوافق الزواجى خمسة عناصر رئيسية هى :
1-الاختيار الزواجى .
2-التوافق الأسرى.
3-النضج الانفعالى .
4-النضج الاجتماعى.
5-العلاقات الشخصية.
ينسى الشاب أو الفتاة أن كلاهما ينتمى الى أسرة مختلفة ، لها ثقافتها وسماتها ، وعاداتها ، وأنه لكى يتم الوفاق الأسرى بعد الزواج يحتاج الأمر الى الروح الدينية المتسامحة التى ترعى الله فى السر وفى العلن ، الأم ربت الإبن ونشأته فى حضنها ، والآن امرأة أخرى ، ظهرت لتستحوز عليه وتأخذه منها ، وتنتابها مشاعر متباينة ما بين السرور والإكتئاب ، فهل تعينها هذه الزوجة على اجتياز هذه المرحلة الصعبة فى حياتها ؟ نعم اذا كانت ذات دين وعلى خلق ، التسامح ، والاحترام واظهار المودة قادرة على محو الأثر النفسى ، بل تستطيع أن تعكس هذا الأثر وتجعلها تستشعر بالغبطة والسرور ، لانضمام عضو جديد لهذه الأسرة ، عضو يشارك الأفراح ،
ويتحمل بعض العناء عنها ، ويتطلب هذا الى جانب التدين النضج النفسى ، هذا النضج الذى يعنى أن الفتاة ، والشاب متوافق مع نفسه ، متصالحا معها ، لا يحمل صراعات أو عقد ، وأنه فى نفس الوقت متوافق مع قيم المجتمع وعقائده ، ومثله ، ومعاييره ، هذا النضج الذى يفتقده الكثير من شبابنا وفتياتنا ، لأننا لم نساعدهم على الوصول اليه ، تحملنا عنهم مسئوليات الدراسة ووفرنا لهم المدرس الخاص ، وزوجناهم ، فلم نتح لهم فرصة التدريب على اكتساب المهارات الاجتماعية ، وأضحى نفسهم قصير يستشعرون الإحباط عند أول عقبة ، ويثورون وينفعلون ، و و .
وفى تخبط الأبناء قد يلجأون الى الأصدقاء ، لاستشارتهم أو لمقارنة حال كل منهم بالآخرين ، ونتيجة عدم النضج ، وانعدام أو لنقل انخفاض الوازع الدينى والأخلاقى ، ولإنعدام النضج تأتى النصائح مغرضة ، وتزيد الخلافات ، وتتحول ساحة الأسرة التى يفترض أن تكون وارفة بالحب والحنان والزهور الى ساحة حرب واقتتال ، فتدب الغيرة بين السيدات والحقد بين الشباب ، وبدلا من أن يكون الزواج ، وحدة أسرتين وائتلاف عائلتين تنقلب الأوضاع الى عداوة ، وشقاء.
السعادة الأسرية ليست معطيا ثابتاً، وإنما تزيد وتنقص حسب ما يبذله الزوجان من جهد لتحقيقها؛ ولذا فهي تحتاج إلى سعي دؤوب وجهد متواصل، ليس فقط لتحقيقها، بل والمحافظة عليها أيضاً.
قد يحظي كلا من الزوجين بإعجاب كل الناس، ولكن إذا افتقد كل منهما إعجاب رفيق حياته به فإنهما سيفقدان إعجابهما بنفسهما، فأنت أو أنتِ لا يهمك إلا إعجاب هذا الرفيق، وهو أو هي فقط الذي يهمك أن تظهر له مواطن جمالك وقوتك وإبداعك وتفوقك ونجاحك، وهو أو هي الذي يهمكما أن يسمع أو تسمع منه أو منها كلمة مدح، وهي ليست ككلمات الآخرين، وإنما هي كلمة تعبر عن فهمه لك أو فهمك له وعن سعادته وسعادتك، لأنه معك أو لأنك معه وأنك أو أنكِ تستحق أو تستحق الحب والتقدير، ولذلك يجب أن تسمو وترقى كلمات الإعجاب فلا تكون تقليدية تتناول الشكل والجمال الخارجي والأناقة والإمكانات المادية فقط، وإنما تمتد لتشمل الذكاء والفكر والنجاح والتفوق.
فالمدح بين الزوجين يدخل الفرح على النفس، وهو حاجة نفسية يحتاجها كلا الطرفين. وقد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم السيد خديجة حين قال: "آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها"، كما أنه صلى الله عليه وسلم مدح السيدة عائشة فقال: "فضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".
وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه عاتب إحدى الزوجات التي صرحت لزوجها بأنها تكرهه، فالبيوت تقوم على العشرة والمودة والرحمة، ويجوز لكلا الزوجين أن يجامل أحدهما الآخر، فحديث الرجل لزوجته، وحديث المرأة لزوجها، لا يعد ذلك من الكذب أو النفاق.
الإنسان مع أقرب الناس إليه يتحاور أحياناً بصمته، صمت تشم فيه رائحة طيبة، صمت تنقله الأنفاس ونظرات الأعين وتعبيرات الوجه، وأي حوار في الحياة الزوجية لا بد أن يكون ودوداً يعكس روحاً طيبة سمحة سهلة سلسلة بسيطة، حتى في أشد الأوقات عصبية وثورة وغضباً. فالعداء أمر مقيت ويفسد تدريجياً ـ وبدون أن تدريا ـ حياتكما الزوجية.
تحاور بلطف.. استخدم أرق الألفاظ، حتى وإن أردت أن تعبر عن أصعب المعاني وأشقاها.. أنت لست نداً لست عدواً منافساً.. ورفيق حياتك ليس طرفاً غريبـاً.. أنه هو أنت وبينكما الزواج والعشرة والمودة والرحمة.
تحاشى الانتقاد بكل أشكاله.. واياك والتجريح.. احذر اللوم.. وليكن تعبير وجهك سمحاً.. ولتكن نظرات عينيك حانية.. ولتكن نبرات صوتك ودودة، ولتكن كلماتك طيبة.
اغضب.. تشاجر.. انفعل.. ثر.. عاتب.. ولكن كن ودوداً رحيماً كما أمرك اللـــه.
تتعدد أدوار الزوجة في حياة زوجها، فهي أم وصديقة وأخت وابنة وحبيبة، فكوني كل النساء في حياة زوجك. فهو يحتاج منك أحياناً إلى عناية الأم واحتوائها ورعايتها وقدرتها على التوجيه، كما يحتاج إلى أن يعبر عن الطفل بداخله. والطفل في حاجة إلى أم وليس زوجة. وهذا لقاء مهم يجدد ذكريات الطفولة ويثير مشاعر كانت موجودة وأساسية ومهمة بين الابن والأم، ويحرك بين الزوجين فيضاً من الأحاسيس الثرية الدافئــة.
وتتعدد أدوار الزوج في حياة زوجته، فهو الأب والأخ والابن والحبيب، فلتكن أيضاً الأب الذي يحرك طفولة زوجته، والأب ـ بتوفيق الله عز وجل ـ هو الحماية ـ القوة - الرأي السديد ـ الحزم ـ المسئولية ـ فتأوي بداخلك وتنتصر بك.
تختلف علاقة الزواج عن غيرها من العلاقات الأخرى، فأي علاقة تقوم على شروط مكتوبة أو غير مكتوبة، وتقوم أيضاً على الندية والتكافؤ والتوزيع العادل للمسؤولية إلا في الزواج، ففي هذه العلاقة المباركة قد يكون أحد الطرفين ضعيفاً أو عاجزاً أو سلبياً أو يعاني قصوراً معيناً أو نقصاً في أمر ما، وهنا يقوم الطرف الآخر وعن طيب خاطر بتعويض هذا العجز أو النقص أو القصور. وهي علاقة بين زوج وزوجته والرجل له طبيعة ومواصفات خاصة وكذلك المرأة، ولكل دوره في الحياة حسب إمكاناته وقدراته وطبيعته وتكوينه.
فعلى كلا الطرفين ألا ينازع الآخر في مسؤولياته، وألا يطالبه بتحمل المسؤوليات التي من شأنه القيام بها. فدعوة المساواة هي دعوة تخلو من أي فهم لطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، فلا ينبغي أن ينظر كل طرف للآخر على أنه ند. إنها علاقة خالية من أي شبهة تحدٍّ أو ندية، فلا يمكن أن يكون هناك تطابق في طبيعة المرأة والرجل، فهما مختلفان تشريحياً وفسيولوجياً ونفسياً.
والرجل يهتدي لمسؤولياته كرجل بفطرته السوية، وكذلك المرأة؛ امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".
فليتحمل كل منكما مسؤولياتـه، وليحمل أي منكما الآخر على كتفيه إذا كان هذا الآخر عاجزاً عن تحمل قدر من مسؤولياته. فالزواج ليس شركة وليس مؤسسة وليس تجارة، وإنما هو حب وتعاون وتكامل وحياة مشتركة.
بهذا الأسلوب السمح والتدين المنفتح والخلق الطيب ، يتسلح كلا الزوجين بالسلاح الفعال الحاسم للقضاء على الوباء الذى ينتشر ليعيث فى رباط الزوجية المقدس الفساد ، ويقطع أواصر المحبة ، ويلوث الرحمة والتراحم الأسرى ، بهذه الأسلحة نحمى سعادتنا الأسرية ونقيها من ميكروبات انتشرت وتلوث بها جو العلاقات الاجتماعية بفعل متغيرات دخيلة ، وعادات غريبة ونزعات استهلاكية تغذيها آلة اعلامية خطيرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق