رأى حول كيفية الجمع بين الحفاظ على الهوية والإنفتاح على العالم
في موضوعنا السابق ذكرنا عدة أمثلة أو نماذج كدليل على الإنفتاح الإيجابي على العالم دون أن يؤثر على الهوية بالسلب بل على العكس كان داعما لها ولنمو حضارتها.
(أول نموذج هو الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وقد ورد عنه انه صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدايا التي تأتيه من البلدان الأخرى ومثال على هذه الهدايا ما ارسله المقوس للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم (فيروى عن المقوقس أنه أخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، فجعله في حُقِّ من عاج، وختم عليه، ودفعه إلى جارية له، ثم دعا كاتباً له يكتب بالعربية، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بسم الله الرحمن الرحيم. لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد: فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت بغلة لتركبها، والسلام عليك).)))))))))) )(الرحيق المختوم)
نلاحظ هنا أن الجاريتين يعني أنه سيوجد التصاق تام بين الأصالة والانفتاح على الآخر.. والكسوة... هي صورة أخرى من صورة التبادل الثقافي والتراثي
والنموذج الثاني لبلقيس ملكة سبأ فرغم قوة مملكتها إلا انها بحكمتها وعلمها وخبرتها ادركت حجم وقوة سيدنا سليمان عليه السلام ..فقبلت الذهاب إليه والدخول معه في دينه ( لأنه الدين الصحيح ) وفي فعلها هذا حفاظ على هوية مملكتها وحفاظ على قوتها.
النموذج الثالث لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما أدخل نظام الحسبة ونظام الدوواوين وقد كانا معروفين عند الروم ولم يكونا من الأنظمة المستخدمة عند المسلمين.
النموذج الرابع لأم الإمام الشافعي حينما أرسلته إلى البادية ليتفصح اللغة العربية (اتجه الشافعي إلى التفصِّح في اللغة العربية، فخرج في سبيل هذا إلى البادية، ولازم قبيلة هذيل، قال الشافعي: «إني خرجت عن مكة، فلازمت هذيلاً بالبادية، أتعلم كلامها، وآخذ طبعها، وكانت أفصح العرب، أرحل برحيلهم، وأنزل بنزولهم، فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار، وأذكر الآداب والأخبار». ولقد بلغ من حفظه لأشعار الهذيليين وأخبارهم أن الأصمعي الذي له مكانة عالية في اللغة قال: «صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس».) {ويكيبديا}إن القبيلة التي ضوى إليها الشافعي هي هذيل، وهم يوصفون بأنهم أفصحُ العرب،
(نشأ الامام الشافعي يتيما في حجر أمه ، فخافت عليه الضيعة ، فتحولت به إلى
مَحْتِده وهو ابن عامين ، فنشأ بمكة ، وأقبل على الرمي ، حتى فاق فيه الأقران ، وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة ، ثم أقبل على العربية والشعر ، فبرع في ذلك وتقدم . ثم حُبِّبَ إليه الفقه ، فساد أهل زمانه .) {موقع اسلام ويب}
ويقال أن والدته هي من أوصته ان يتعلم الرماية ليكون مثل أقرانه (ليكون بينه وبينهما لغة تواصل وشيئ مشترك يستطيع ان يتواصل معهم من خلاله.
كانت هذه بعض نماذج يتضح فيها الانفتاح على العالم دون ضرر او مضرة.)
ولنذكر الآن أمثلة تجعلنا نخاف من الإنفتاح على العالم. وهذه النماذج كانت واحدة من أسباب تشدد الكثيرين في قبول الانفتاح واعتباره كله شر
النموذج الأول : وهو لبعض الشباب حينما يسافر ويستقي علمه من عالم غير عالمه نجده يتمرد على قيمه ودينه ويعتبرهما سببا ورمزا للتخلف. وقد حدث قديما مع شاب كان كُف بصره وهو صغير بسبب عامل الجهل وبسبب علاج خطأ وربط الدواء الذي وضع في عينه له باسم الزيت المبارك (الصبغة الدينية حينما لا توضع في مكانها فهى كارثة على اتباع الدين قبل غيرهم ) ثم دخل الشاب الكُتاب فوجد الشيخ غليظ الطباع لا يرفق بطفل ولا يرحم صغير (احتكاك آخر غير مباشر لعلاقة البشر مع الدين ) حفظ الطفل القرآن ويدخل مدرسة دينية ثم يخرج من التعليم الديني ليكمل خارجه ثم يسافر الى الخارج. ينبهر بما يحسه من تحضر في السلوك بين البشر حتى وان كان ظاهريا او كان مستهدفا ويحس بالتقدم. وقد اخطأ التفكير عندما ارجع ذلك الى ثورة الغرب على الكنيسة ورجال الدين. وجد أن الغرب قد استطاع ان ينتقد الانجيل (الاناجيل الحالية وليس الانجيل الذي نزل على سيدنا عيسى عليه السلام ) ويظهر ضعفه. وهنا بدأت حركة متممة لما يدور داخله من غضب مما كان يراه في صغره من جهل يرتكب باسم الدين وغلظة مع ماتم من ثورة عليه في الغرب. فحدثته نفسه لماذ لا ننتقد نحن ايضا الشعر العربي الجاهلي ومن ثم نضع القرآن ايضا محل النقد لنرى مدى فصحاته وقوته. نسي هذا الشاب فرقا كبيرا بين الاسلام وغيره .. لم يعلمه احد ان هناك فرقا كبيرا ومساحة كبيرة بين فهمي للدين وعمق الدين وكبر احتوائه للجميع .. لم يعرف ان ما يرتكب باسم الدين هو عيب في الاشخاص وليس عيبا في الدين
النموذج الثاني هو ما نلمسه حاليا في عصرنا الحالي من تحريك الشباب لألسنتهم لتتحدث مع بعضها بالإنجليزية بدلا من لغتهم الأم - اللغة العربية -. جعل الاحترام والتوقير والرقي لمن يعيش حياة الغرب بكل نفعه ومضاره وتسمية مضاره بالتحضر والحضارة.
عامرة أم خاوية
بالنظرالى نماذج الايجابية والنماذج السلبية ومحاولة فهم النماذج واستخراج سبب نجاح هنا وسبب الاخفاق هناك نجده مجموع في كلمتين عامرة أم خاوية.
وتعود كلمة عامرة ام خاوية هنا الى نفس الانسان او هويتنا فإن كانت هويتنا تملأنا وتحركنا سلمنا وأخذنا ما يناسبنا من العالم حولنا.
اما إذا كانت هويتنا خاوية- النفس حينما تنشأ على خواء فتصير جسدا مجسما فقط من الخارج اما من داخلها فهي فارغة يستطيع كل من اراد وكان ماهرا ان يملأها بما يريد.
فالممتلأ ينفتح على الأخر فيتعلم منه وتكون هويته حماية لة وتعمل كعمل مصفاة لشخصيته فيأخذ ما ترقى به نفسه ويعلوا به شأنه وشأن مجتمعه ويترك ما لا نفع فيه.
وأما النفس الخاوية فنجده لا يلتفت إلا لكل ماهو غريب في الشكل والعمل والمضمون. فسنجده يلتفت الى احدث الانتاجايات والانبهار بها والانشغال بالحصول عليها دون النظر الى كيف تمت هذه الانجازات وما سببها وماهو العامل الذي ادى الى هذه الثورة التكنولوجية وكيف لنا ان نصبح كذلك. تجدنا نأخذ من المظاهر كالمكياج دون ان ننظر الى ان المجتمع الآخر لا يقضي يومه كله في التزين وان كان البعض يفعل فأكثرهم ليس كذلك ولنقس على ذلك باقي الامثلة.
ولنختم بالتأكيد على اهمية إن امتلأ النفس بهوية سليمة نقية هو الحارس والحامي لها في طريق الإنفتاح على العالم مع الحفاظ على هويتنا.
في المرة القادمة ان شاء الله سنحاول معرفة متى أو في أي عمر يبدأ اي مجتمع في ملىء هوية أفراد وشباب الوطن ومن المسؤل عن ذلك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق